هناء الحمادي (الفجيرة)

تسلق الجبال الشاهقة رياضة وهواية أصبحت مطلباً للكثيرين من الباحثين عن المغامرة والترحال واكتشاف الحياة المثيرة للطبيعة الخلابة لمحمية وادي الوريعة التي تقع ضمن سلسلة جبال الحجر وتتميز بتنوع وتكوينات جيولوجية فريدة من المنحدرات الصخرية، وتمتد من سلطنة عمان في الجنوب وحتى مضيق هرمز في الشمال، وتبعد المحمية 45 كيلومتراً شمال مدينة الفجيرة على الطريق الواقع ما بين خورفكان ومنطقة البدية، وتبلغ مساحتها حوالي 220 كيلومتراً مربعاً.
وسط جمال وسحر المحمية، انطلق 300 شاب إماراتي من هواة تسلق الجبال في مغامرة جديدة، حيث استطاعوا مواصلة المسير في محمية وادي الوريعة لمسافة 7 كيلومترات ذهاباً وإياباً وسط حرارة الجو اللاهبة، وأشعة الشمس الحارقة.

تحديات
يقول المغامر سعيد المعمري، مدير عام مركز الفجيرة للمغامرات: «هذه ليست المرة الأولى التي ننظم مثل هذا المسير لمسافات طويلة، لكن حباً في تسليط الضوء على الأماكن الجميلة التي توجد في إمارة الفجيرة، كانت المغامرة القيام برحلة لهواة «الهايكنج» في محمية وادي الوريعة، التي يعجز اللسان عن وصف جمالها، والتي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» في الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي، لتصبح ثانية محمية في الدولة تنضم لشبكة المحميات العالمية.
ويضيف المعمري: «كان التحدي الأول لتنظيم هذه الرحلة هو قياس كفاءة المشاركين من الشباب وأعضاء مركز الفجيرة للمغامرات والمرتادين للمحمية، في استيعاب هذه الأعداد المشاركة لاستقبال «إكسبو 2020»، وكيف يمكن تقديم الأفضل لهذه الرحلة في ظل تحديات حرارة الجو والشمس الحارقة»، مبينا أنه رغم زيادة أعداد المشاركين إلا أن الرحلة فاقت التوقعات في تحقيق النجاح، حيث تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين، مجموعة الفتيات ومجموعة الشباب، وتضم المجموعة الأولى المشاركين الذين لا يتمتعون بلياقة بدنية كافية، أو الذين يمارسون الهايكنج للمرة الأولى، أما المجموعة الثانية فلا يبذل أعضاؤها جهداً كبيراً، حيث يهتمون بالاستمتاع بجمال طبيعة محمية وادي الوريعة، خاصة وأنهم من أصحاب الخبرة الطويلة في الهايكنج أو «المسير الجبلي»، فلا خوف عليهم.
ويضيف المعمري: «مثل هذه الرياضة غالبا ما تحتاج إلى مقومات وإمكانيات عالية لا يملكها جميع الأشخاص، فهي رياضة يتفوق بها الإنسان على نفسه وعلى الطبيعة، وتحتاج إلى لياقة بدنية عالية وقوة احتمال فائقة، وقدرة على التحمل والسيطرة واللياقة الذهنية، فضلاً عن خفة الحركة والتوازن، ومعرفة تقنيات التسلق وخبرة في استخدام المعدات المساعدة اللازمة».

كنوز الطبيعة
من جانبه، يقول سيف الحفيتي، من هواة تسلق الجبال والكهوف وله باع طويل في هذه الهواية ومن أهل منطقة الطويين في الفجيرة: إن مشاركة أكثر من 300 مشارك في رحلة الهايكنج لم تكن متوقعة، فالجميع شاركوا بهمة ونشاط رغم ارتفاع درجات الحرارة، والتي لم تثنهم عن قطع مسافة 7 كيلومترات ذهاباً وإياباً وصعوداً ونزولاً وتسلقاً.
ويبين الحفيتي أن محمية وادي الوريعة تُعد من الأماكن الجميلة السياحية في الفجيرة، ويكفي أنها استحقت هذا الاعتراف الدولي المرموق نتيجة جمالها وما تتمتع به من مزايا طبيعية، أهمها احتضانها مجموعة من الحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض، فهي تعتبر اليوم واحدة من كنوز الطبيعة في دولة الإمارات، لما تحتضنه من كائنات ونباتات نادرة ومتنوعة، الأمر الذي يسهم في زيادة اهتمام السياح والباحثين باستكشاف معالمها الطبيعية النادرة عن قرب.
ويلفت الحفيتي: «خلال رحلة الهايكنج تعرف المشاركون على النباتات والطبيعة التي تزخر بها المحمية، حيث تتوفر ينابيع من المياه العذبة الدافئة، وخلال الرحلة كانت هناك فترات راحة للجميع تخللها اللهو والسباحة في المياه التي تبعث السعادة والراحة، بعد بذل الجهد بالمسير في ظل درجات حرارة مرتفعة، لكن المشاركين أثبتوا قدرتهم على التحمل ومتابعة المسير بهمة وحماس.
ويضيف الحفيتي أن «الهايكنج» رياضة تجعلنا نتأمل الحاضر والماضي، وتعرفنا مدى الجهد الذي كان الأجداد يبذلونه، وكيف تحملوا قسوة الحياة والسفر، كما أن السير في هذه الممرات يعطي صورة عن صحتهم ولياقتهم التي تمكنهم من تكرار المسير، والصعود في الممرات المرتفعة، فقد كانت هذه طريقتهم الوحيدة للسفر والتنقل.

هواة الهايكنج
خليفة البدواوي الذي له خبرة طويلة في مجال تسلق الجبال و«الهايكنج»، كانت انطلاقته الأولى في تسلق الجبال من ماليزيا، وقطع رحلات عدة لتسلق الجبال في إندونيسيا وتايلاند، وشارك في رحلة محمية وادي الوريعة التي تضم أكثر من 300 شخص من هواة الهايكنج من داخل الدولة ومن المملكة العربية السعودية والبحرين والأردن وسلطنة عمان.
ويقول البدواوي: كل من تطأ قدماه وادي الوريعة يقف متأملا طبيعة وجمال المكان الذي يضم الكثير من المناظر الخلابة، ويكفي وجود منبع المياه الذي تسارع الجميع لالتقاط الصور قربه والارتواء منه، لافتاً إلى أنه منذ انطلاق الرحلة كان التنظيم ناجحاً حيث تم توفير معدات الأمن والسلامة وسيارات الإسعاف في محيط المكان، إلى جانب مواد التموين، كما تم توفير دراجة يمكن السير بها في الأماكن الوعرة، وتضم حقيبة طبية بها الإسعافات الأولية في حالة تعرض أحد المشاركين للإصابة. ويضيف: القيام بهذه الرحلات يساعد على اكتساب المزيد من المهارات والخبرة لممارسة هواية الهايكنج وتسلق الأماكن الجبلية الوعرة، لقضاء أمتع الأوقات بعيداً عن ضوضاء المدينة.

مشاركة نسائية
منذ 5 سنوات وجدت نفسها تعشق تسلق الجبال والهايكنج، لم تكن تدرك أن هذه الهواية ممتعة حين تتنقل كالفراشة بين الجبال والكهوف والوديان.. إنها آمنة الجسمي التي تعشق تأمل جمال الطبيعة في كل فصول السنة، وحين تنتقل من الجبال إلى الكهوف تستغرب وجود تلك المناظر الجميلة في دولة الإمارات، حتى وجدت نفسها تشارك في الكثير من الرحلات مع فريق مركز الفجيرة للمغامرات.
وتقول آمنة: إن «الهايكنج» رياضة ممتعة، تتطلب لياقة بدنية جيدة، وهي مليئة بالتأمل، واستكشاف جماليات البيئة والطبيعة، وتدفعنا إلى تحدي الصعود والمغامرة، والمشاعر التي تنتاب الإنسان فيها جديدة وممتعة، مما يجعلها رياضة فريدة تبقى في الذاكرة زمناً طويلاً، وهي رياضة تجعل الإنسان محباً للطبيعة، وصديقاً للبيئة، فمن أسس ممارستها عدم رمي النفايات، أو الإضرار بالبيئة، وشعارها «لا تترك أثراً». وحول مشاركتها في رحلة محمية وادي الوريعة تقول آمنة: «لم تكن هذه التجربة هي الأولى في رحلات «الهايكنج» والصعود إلى قمم الجبال والنزول إلى الوديان، حيث شاركت في الوصول إلى قمة «جبل جيس» في رأس الخيمة من قبل، إضافة إلى الوديان والكهوف الجبلية في الطويين بإمارة الفجيرة، مبينة أن رحلة محمية الوريعة مختلفة، حيث شاركت 80 فتاة بمختلف الأعمار في هذه الرحلة الصعبة».
وتذكر آمنة الجسمي أن هواة «الهايكنج» وتسلق الجبال من الفريق، يحصلون على دورة في الإسعافات الأولية، ليدرك خلالها الهاوي كيفية مواجهة المخاطر بكافة أنواعها حفاظاً على السلامة.

دروس وتأملات
وبدوره، يذكر ناصر اليماحي أن إمارة الفجيرة بها الكثير من الأماكن السياحية الجميلة التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، حيث تعج الإمارة بالكهوف الجبلية والوديان والجبال التي تشجع على ممارسة الهايكنج وتسلق الجبال، لافتا إلى أن الهايكنج «المسير الجبلي» رياضة فريدة مرتبطة بالمشي وتأملاته، كما أنها مليئة بحب الطبيعة والتاريخ والتراث، وينبغي أن تنتشر هذه الرياضة، خصوصاً بين الشباب، لما فيها من دروس وتأملات ومغامرات تروق لهم.

شلالات وعيون ماء
تقع محمية وادي الوريعة الجبلية على بعد 45 كيلومتراً شمالي مدينة الفجيرة بين مدينة خورفكان ومنطقة البدية، وتتميز المحمية بوجود أعداد كبيرة من عيون المياه، إضافة إلى أنها تتميز بوجود شلال الوريعة الذي تصب مياهه في البرك الطبيعية التي يصل عمقها إلى 4 أمتار، وتحيط بها أشجار ونباتات جبلية، لأن الماء لا ينقطع على مدار العام.